بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
مما يلفت الانتباه ويدهش البال ما نسمعه من مواقف يطلب فيها عون الله ومشيئته وهو منها براء سبحانه، كأن تسمع مقابلة مع أحد الفنانين أو إحدى الفنانات المفسدين والمفسدات تتكلم وتختم كلامها بالحمدلله وإن شاء الله، وآخر بقوله ربنا يوفقني!!!
ومن المواقف المحزنة أن ترى شباب الأمة بدلاً من أن يحملوا همها ورفعها من رقدتها يتهافتون على دور السينما وحفلات الموسيقى وأماكن المجون وكانه الإصرار على المعصية ولسان حالهم يقول نعصيك ولا نبالي
يا من تتعامل بالربا ولازلت مصرّا ........
يا من تشاهد القنوات الساقطة ..........
يا من تغرر بالفتيات الغافلات........
يا من تقذف المحصنات الغافلات ....
يا من تغتاب وتنهش الأعراض ......
يا من تتبرجين وتجاهرين بمعصية رب السموات ....
يا من ألهته المسكرات والمفسدات .....
يا من عق والديه وقطع مع الأرحام الصلات ......
أليس ذلك لسان حالكم إن لم تقرروا التوبة والإنابة إلى الله .
ألا تعلم أنك لاقيه لا محالة؟ نعم ستلاقيه لا مفر.
{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة: 12]
{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق: 8]
فهل استعددت للإجابة أم أنها صعبة معقدة مريرة؟
كلا وربي إنها ليسيرة لمن طلبها من الحي القيوم فتاب وأناب وسكب العبرات وأقام الصلوات ورجع بصدق إلى رب البريات.
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 135]
وروى البخاري بإسناده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلت عنه وعليها طعامه وشرابه فاضطجع في ظلها قد أيِِس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال: من شدة الفرح، اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح» او في هذا المعنى..
فقط أعطِ ذهنك دقيقتين من التفكر والتأمل خاصة قبل أن تنام واستشعر أننا مسؤولون وبين يدي ربنا واقفون، تخيل وارسم في ذهنك ماذا يعني ذلك، كيف لنا أن نطيق وماذا أنت فاعل، وما هي إجابتك في ذلك الحين وكيف ستكون؟
ستهرب؟ لا... لا مفر.
ستكذب؟ لا... فستنطق الجوارح والأطراف.
ستقاوم؟ تقاوم من!!!
أنت ضعيف مسكين ذليل قد قيدتك الآثام والذنوب والمعاصي.
{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق: 6]
{وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: 19]
لكــــن
المخرج موجود طالما أن روحك مازالت بين جنبيك.
نعم موجود بل الباب مفتوح على مصراعيه وغرغرتك إغلاقه.
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{53} وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ{54} وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ{55} أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{57} أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر: 53-58]
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم في التوبة (2759)، وأحمد في المسند (19529)،
في حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى: «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة». رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
قم فاغتسل وتوضأ وصل ركعتين توبة وإنابة إلى الله سبحانه وكن صادقا فيهما وعاهده واطلب منه سبحانه ألا يعيدك إلى ما كنت عليه.
قال الإمام الشافعي رحمه الله عند موته:
ولما قسى قلبي وضاقــت مذاهبـي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سلمـا
تعـاظمنـي ذنبــــي فلمـــــــا قرنتـــــه *** بعفـوك ربـي كــــان عفوك أعظم
فيا غافلاً تتمادى! غدًا عليك ينادى.
قصة حياتك تنقضي بموتك فلا يذهب معك أحد.
{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ: 30]
قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: 18]
أخي الحبيب.. إن هذه الخطايا ما سلمنا منها فنحن المذنبون أبناء المذنبين.. ولكن الخطر أن نسمح للشيطان أن يستثمر ذنوبنا ويرابي في خطيئتنا. أتدري كيف ذلك؟
كمثل المغني الذي مات ولم يتب ولازالت شرائطه وحفلاته تباع وتتداول في الأسواق فتفسد هذا وذاك.
كم هو مسكين خلّ وأخلّ وعاقبته إن لم يرحمه الله خسران مبين.
{حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 99-100]
فيا أيها المسلم الموحد: عد إلى فطرتك السليمة السوية وتب إلى بارئ السموات والأراضين توبة نصوحًا تنفعك يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أخي المسلم: قد أفلح عبد حاسب نفسه اليوم قبل أن يحاسب... وألزمها المحجة قبل الندامة..
فلنستعد ليوم الرحيل.. ولتستكثر من زاد الآخرة.. وإياك والغفلة والتسويف، فيهما أهلك إبليس الخلائق.. وأوردهم النيرانَ!
قدم لنفسـك توبــة مرجــــوة *** قبـل الممـات وقبـل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنهــا *** ذخـــــر وغنـم للمنيــب المحسـن
والظن في جميع المسلمين والمسلمات أنهم ممن يبالون لغضب الله ورضاه ويحملون هم الذنب ويبغون عفو ربهم وضاه
فاللهم اهد المسلمين والمسلمات وسدد خطاهم وأعذهم من شرور أنفسهم وألهمهم الرشد والهدى والتقى والعفاف وفعل الطاعات والبعد عن المنكرات.
والسلام على النبي الأمين محمد بن عبدالله الرسول الكريم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .